أطفال معاقون يطلقون العنان لأحاسيسهم بـ«الفرشاة» و«الألوان»

أطفال معاقون يطلقون العنان لأحاسيسهم بـ«الفرشاة» و«الألوان»

يخاطبون المجتمع بـ «الرسم» بدلا من «الكلام»

طفل معاق يرسم لوحة ضمن اللوحات المشاركة في المعرض («الشرق الأوسط»)

وبما أن فن الرسم يعد أحد لغات التخاطب لمن لا يجيد فن الحديث بالكلمات،
فقد اختار هؤلاء الأطفال التنفيس عما في داوخلهم من خلال لوحات فنية تم
عرضها في حفل مزاد اللوحات الفنية السنوي السابع «لوّن حياتك» مساء أول من
أمس الأحد، الذي نظمته اللجنة النسائية في جمعية الأطفال المعاقين برئاسة
الأميرة لطيفة بنت ثنيان بن محمد، وبرعاية الأميرة عادلة بنت عبد الله بن
عبد العزيز، إذ بلغ حجم التبرعات من بيع اللوحات والمساهمات المادية
المقدّمة في نهاية الحفل حوالي مليون و 105 آلاف ريال.

وعبّرت جنى القبّاني، إحدى الأطفال المعاقين، التي لم يتجاوز عمرها 6
أعوام، عن فرحتها لإتاحة الفرصة لها كي ترسم بعبارة واحدة «ألوّن
بالألوان»، تتخللها ابتسامة طفولية عذبة، إذ شاركت في رسم اللوحة من خلال
عدة ألوان اختارتها كحجر أساس تستند إليه الفنانات التشكيليات المتطوعات
لإكمالها وإظهارها بشكل جميل. وأشرفت 4 فنانات تشكيليات متطوعات على إخراج
لوحات الأطفال المعاقين وهن إيمان منياوي وهناء حجار وخلود البقمي
والأميرة هيا بنت عبد الله بن سعود بن سعد بن عبد الرحمن، واللاتي سيعرضن
اللوحات خلال مزاد هذا العام الجديد.

وانتقد نهار المرزوقي أحد الفنانين التشكيليين المتطوعين في القسم الرجالي
لحفل المزاد تدخل الفنانين والمختصين في تعديل لوحات الأطفال وإظهارها
بشكل مختلف عما هي عليه، مؤكدا أن كل خط رسمه الطفل بطريقة معينة له قيمة
كبيرة لنفسيته تدل على فكرة أو دلالة عبّر بها عن إحساسه.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» من المفترض أن تخرج لوحة الطفل بالشكل
نفسه، إذ أن التدخل بها لا يخدم الطفل ولا فكرته، بل لا بد من إعطائه فرصة
إنجازها بالكامل، وإن توقف في منتصفها دون أن يكملها فإن ذلك يدل على
اكتفائه بالتعبير إلى هذا الحد، مع مراعاة أن تظهر ناقصة كما هي دون تعديل.

وأوضح أن الأخذ بيد تلك الفئة من الأطفال للتعبير والتنفيس عما يشعرون به
يعد رسالة يفترض من كل فنان القيام بها والسعي وراءها، وأضاف أن تلك
الرسالة بمثابة إثبات لوجودهم وتعايشهم في المجتمع، لا سيما أن من حقهم
الحصول على حرية التعبير مثلهم مثل غيرهم من الأسوياء كبارا كانوا أم
صغارا.

وأشار الفنان التشكيلي إلى أن الألوان التي يستخدمها الطفل المعاق في
رسوماته تأتي بعفوية دون أن يكون محترفا في اختيارها، غير أن ثمة قراءات
أخرى للخطوط المستخدمة والأشكال التي يرسمها تعطي انطباعات كثيرة عما في
داخله. وأضاف أن أحد الأطفال كان سعيدا جدا بوقوف الناس عند لوحته والتقاط
صور تذكارية بجوارها، ما يجعل في مشاركتهم بمثل تلك المحافل تشجيعا له
وإثباتا لقدرته على الرسم، لافتا إلى أن الهدف الرئيسي ليس الخروج بلوحة
فنية جميلة بقدر ما هو وسيلة للتعبير عنه.

وأفاد بأن الأطفال كانوا يأخذون الألوان بشكل عفوي، باعتبار أنهم لا
يتقنون التعبير بها، إلا أن حجم الأشكال وشفافيتها يعطيان معاني أخرى قد
لا يفهمها أو يستسيغها عامة الناس، مستشهدا على ذلك بأحد الأطفال الذي رسم
بالفرشاة خطوطا دائرية دلّت على أنه يدور في فلك لا يستوعبه، ويجهل الهدف
الذي أمامه في ظل احتياجه إلى من يقف معه في حياته ويعينه عليها.

وأبدى نهار المرزوقي إعجابه بلوحة طفل رسم بها مجموعة من الناس بأحجام
متساوية، غير أنه عبّر عن أحد الأفراد بحجم كبير، الأمر الذي جعل المختصين
يفهمون مدى حب ذلك الطفل لتلك الشخصية التي ربما تكون والده أو والدته،
معتبرا انها تساوي العالم بأكمله بالنسبة إليه.

من جهتها أكدت رنا القطّان إحدى معلمات مرحلة الطفولة والتمهيدي للأطفال
المعاقين بالجمعية أن سر نجاح العلاقة بين الطفل المعاق والمعلم هو النزول
إلى مستواه الفكري والصبر عليه، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن المعاق عادة ما
يكون اجتماعيا، ويستطيع فهم ملامح وجوه الغير في حالة تقبلهم له أو نبذه،
مطالبة أفراد المجتمع بضرورة تغيير نظرتهم للمعاق على أنه ناقص مقارنة
بالأسوياء.

وأضافت أن الله عز وجل حرمهم شيئا ومنحهم أشياء أخرى ينبغي تفهمها
ومساعدتهم على الإبداع فيها، خصوصا أنهم في سن الطفولة ولا يشعرون
بإعاقاتهم في ظل ما تمنحه لهم عائلاتهم من عاطفة وحب وحنان، غير أنهم
يتأثرون بعد تجاوزهم سن الثانية عشرة من أعمارهم بمجرد دمجهم في المجتمع.

وذكرت أن أكثر الأشكال التي يفضل الأطفال رسمها هي الحيوانات الأليفة بحكم
تعاملهم معها، إضافة إلى اختيار اللون الأحمر والأصفر والألوان المبهجة
التي تدل على نظرتهم التفاؤلية تجاه الحياة، لافتة إلى أن مشاركة الأطفال
المعاقين في رسم لوحات المزاد تتضمن وضعهم للمسات الأساسية في حين تكمل
الفنانات التشكيليات رسمها بعد ذلك.